أعادت الاستقالة المفاجئة للدكتور كامل العجلوني من منصبه كرئيس لمجلس أمناء الجامعة الأردنية، إلى الواجهة مجددا ملف التعليم العالي، وما يعانيه من مشاكل تتعلق بتمويل الجامعات، وأسس قبول الطلبة وتردي رواتب أعضاء الهيئات التدريسية والتدخلات الخارجية التي تنتقص من مبدأ استقلالية الجامعات.
وإضافة إلى جميع ما سبق فتحت الاستقالة ملف 'التفرّد' في صناعة سياسات التعليم العالي، حيث جاءت بعد أيام قليلة من رفع وزارة التعليم العالي استراتيجيتها الجديدة إلى جلالة الملك عبدالله الثاني، والتي أعدتها تحت عنوان 'خطة إصلاح مؤسسات التعليم'، التي كان وزير التعليم العالي الدكتور وجيه عويس قدّم عرضا لأبرز محاورها في لقاء جلالة الملك نهاية تموز (يوليو) الماضي برؤساء الجامعات الحكومية.
وبحسب ما أكده العجلوني لـ'الغد' فإنها 'استراتيجية لم يتم استشارة رؤساء مجالس الأمناء وأعضائها فيها'، وإن استقالته بالتالي هي 'احتجاج على التهميش الذي مارسته وزارة التعليم العالي في حق هؤلاء'، علماً بأن تعيينهم كما يؤكد العجلوني 'تم بناء على خبراتهم الأكاديمية عندما كان رؤساء مجالس الأمناء سياسيين، كان هناك وجهة نظر في تهميشهم عند صياغة التشريعات الأكاديمية ولكن هذا غير منطقي نهائيا لمن تمّ تعيينه في هذا المنصب بناء على خبرته كأكاديمي'.
وفي وقت رفض وزير التعليم العالي الإدلاء بأي تصريح حول استقالة العجلوني واكتفى في اتصال مع 'الغد' بعبارة 'لا تعليق'، أكد رئيس الجامعة الأردنية الدكتور عادل الطويسي أن 'مبررات الاستقالة في محلها'.
الطويسي قال إن 'الاستقالة وضعت اليد على أبرز ما يعانيه التعليم العالي من مشاكل، ليست وليدة الفترة الأخيرة ولكنها في العقد الماضي'، منوها إلى أن الجهود المبذولة التي بذلت من أجل حل هذه المشاكل 'متواضعة'.
الطويسي أكد على 'التهميش' الذي تعانيه مجالس الأمناء، وهو يرى أن هذا سببه 'التشريعات القائمة، والممارسات التي يرتكبها القائمون على تنفيذ هذه التشريعات'.
ويثير العجلوني هنا مسألة تتمثل في أن الأمر يتعدى 'عدم اكتراث الدولة ووزير تعليمها برأي أعضاء ورؤساء مجالس الأمناء في التشريعات' إلى حقيقة أن هذه التشريعات 'تغير وتبدل كلما جاء وزير جديد'.
من جهته، علّق وزير التعليم السابق وليد المعاني على مسألة التهميش بتأكيده على أن سياسة التعليم العالي في عهده كانت تعتمد مبدأ التشاور المستمر مع رؤساء أمناء الجامعات واستشراف آرائهم في مختلف القضايا التي تتعلق بالتعليم العالي.
لكنه نوّه إلى أن الاستشارة وتبادل الآراء 'لا تعني أنها ملزمة، لأن الأمر في النهاية يتم وفق قنوات للإصلاح وتشريعات تصدر بالتعاون مع مختلف الجهات المعنية'.
وفيما يتعلق بتغيير التشريعات يقول المعاني إن هذا التغيير هو أمر طبيعي ومطلوب ما دام يسير بالعملية التعليمية إلى الأمام، 'ما المانع من التغيير إذا كان لتصحيح خطأ أو تطوير العملية التعليمية، إن الخطأ ليس في التغيير بل في الجمود'.
وأضاف أن كل هذه الاحتجاجات على تغيير التشريعات هي فقط 'احتجاجات على من يعيّن رئيس الجامعة'، وذلك بعد أن سحبت صلاحية تعيين الرئيس من مجلس الأمناء.
وهو أمر يرى الطويسي أنه 'انتقاص كبير من مبدأ استقلالية الجامعة'، فيلاحظ أن 'القوانين الجديدة تعمل باستمرار على تقليص صلاحيات مجالس الأمناء لصالح مجلس التعليم العالي وهذا خطأ'.
وفي استقالته، فتح العجلوني ملف استقلالية الجامعات حيث ينتقد التدخلات التي تتم 'عند كل تعيين مهم بداية بتعيين رئيس الجامعة وانتهاء بعمدائها'، كما ينتقد عدم منح الجامعات صلاحيات تقرير إعداد الطلبة وآلية قبولهم أو تغيير أسماء التخصصات بدون موافقة من مجلس التعليم العالي.
الأمر الذي يقول المعاني إنه يخالف العجلوني فيه، 'فرسم السياسات هو كما يؤكد مهمة مجلس التعليم العالي مسألة مثل أسماء التخصصات محكومة باتفاق في المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية ينص على أن تلتزم جميع الجامعات بأسماء معدة للتخصصات المتشابهة'.
الأمر هنا لا يتعلق، كما يقول المعاني، بالاستقلالية ولكن بالتنظيم، فمنح الجامعات الصلاحية 'لتسمية التخصصات على هواها يمكن أن يفتح الباب أمام الفوضى، كنا في مجلس التعليم العالي نستقبل بشكل دائم مقترحات بفتح برامج جديدة كنا نرفض معظمها لأن الأسماء الجديدة تكون لبرامج قائمة ولكن يتم تغيير الاسم لجذب الطلبة'.
في استقالته، يثير العجلوني مسألة تمويل الجامعات الحكومية التي تعاني من أوضاع مالية صعبة، دفعتها إلى فتح أبوابها للقبول ضمن البرنامج الموازي، وبأعداد أكبر من طاقتها الاستيعابية.
إنه أمر أدى، كما تقول الاستقالة، إلى تدني المستوى الأكاديمي للطلبة، إضافة إلى 'حصر التعليم في التخصصات الهامة في الطبقات القادرة ماليا'، وحرم أبناء الفقراء ممن حصلوا على معدلات عالية من دراسة التخصصات التي تدرّ دخلاً على الجامعة مثل الطب وطب الأسنان والصيدلة وغيرها.
وفي وقت تحصّل فيه الدولة كما يقول رئيس الجامعة الأردنية الدكتور عادل الطويسي ما يتراوح بين 250 إلى 300 مليون دينار سنويا ضرائب باسم دعم الجامعات، فإن الجامعات لا تنال من هذه المبالغ إلا النزر اليسير.
ففي العام الحالي على سبيل المثال، رصدت الحكومة كما يقول الطويسي للجامعات مبلغ 52 مليون دينار، بقي منها بعد اقتطاع مديونية الجامعات، ومخصصات صندوق الطلبة مبلغ 36 مليون دينار، تمّ توزيعها على ست جامعات فقط، ويقول الطويسي إنه تمّ استثناء أربع جامعات من الدعم من بينها الأردنية لأنها غير مديونة 'أي أن الحكومة تعاقب الناجح بقطع الدعم عنه، علماً بأن هذا الوضع لن يستمر، فالجامعة الأردنية وفي ظل الأوضاع الصعبة ستجد نفسها مضطرة للجوء إلى الودائع التي تملكها لسدّ العجز الذي كانت تسدّه الحكومة في العادة'.
ومن هنا دعا العجلوني الحكومة في استقالته إلى أن تحدد موقفها من الجامعات الرسمية، فتعاملها كجامعات حكومية تتولى تمويلها بالكامل، أو تترك لها حرية أن 'تقرر رسومها ضمن سياسات وطنية واستراتيجية وطنية أكاديمية واضحة'، مع ضمان أن تتولى الحكومة تمويل تدريس غير القادرين من المتفوقين.
وفق المعاني فإن استقالة العجلوني ليست أمراً يؤخذ ببساطة 'إنها تقرع الجرس، وتنبئنا بأن هناك وضعاً غير مريح في الجامعات وهو أمر يشارك العجلوني فيه كثيرون، ومن هنا علينا أن نتعاطى بجدية مع قضايا تمويل الجامعات ورواتب الأساتذة واستقلالية الجامعات'.
إضافة إلى كل الملفات التي فتحتها استقالة العجلوني، فإن أهميتها الاستثنائية هي في أنها دعوة إلى 'الشراكة' في صنع القرار الأكاديمي، في وقت لا تعدو مجالس أمناء الجامعات، وفق الدكتور عبدالكريم غرايبة، كونها 'مجالس صورية'.
غرايبة وهو أستاذ الشرف في قسم التاريخ في الجامعة الأردنية يروي القصة الطريفة التالية للتدليل على ذلك، فقد كان غرايبة عضواً في مجلس أمناء جامعة آل البيت، وفي أحد الأيام صدر في الصحف خبر استقالة الدكتور عدنان البخيت الذي كان رئيس الجامعة آنذاك وتعيين الدكتور سلمان البدور.
وفق غرايبة في نفس اليوم الذي صدر فيه الخبر تم جمع مجلس الأمناء في الجامعة ليوقع على القرار 'طلبت يومها من رئيس مجلس الأمناء أن ينتظرني لحظة، وذهبت إلى مكتب السكرتيرة وأحضرت صطمبة حبر وغمست أصبعي فيها وبصمت، وقلت للرئيس وقتها إن هذا ما يريدونه وهو البصم'.
الغد