هدوء لافت للنظر يواصل كوفي عنان المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة
والجامعة العربية جهوده لحل الأزمة السورية. وخاطب عنان مجلس الأمن للمرة
الثانية في الثاني من أبريل/ نيسان الجاري، وأبلغه أن سورية تعهدت بسحب كل
وحداتها العسكرية من المدن بحلول العاشر من الشهر الحالي لتمهيد الطريق
لهدنة في غضون 48 ساعة من ذلك الموعد. ورغم تشكيك بعض الدبلوماسيين
الغربيين في حسن نية دمشق وقف هجومها، وقلقهم من أن "تستغل الحكومة السورية
الايام المقبلة لتكثيف العنف"، إلا أنهم لم يبدوا أي اعتراض على استمرار
مهمة عنان، وهم يسعون إلى اصدار بيان في الايام القلائل المقبلة لدعم
المهلة رسمياً.وأقر الدبلوماسي الصبور أمس بأنه لم يحدث أي تراجع
للعنف، لكنه حث مجلس الأمن الدولي على مناقشة موضوع إرسال بعثة مراقبة في
ضوء تصريحات دمشق. وتلقت جهود عنان دفعة مهمة عندما أعلن وزير الخارجية
الروسي سيرغي لافروف أنه "يجب على الحكومة السورية أن تتخذ الخطوة الاولى
وتبدأ سحب القوات الذي تنص عليه خطة عنان ونحن نساند هذا الالتزام"، وفي
تطور نوعي للتعامل مع المبادرات الخارجية قال بشار الجعفري مندوب سورية لدى
الأمم المتحدة إن بلاده وافقت على مهلة العاشر من أبريل/ نيسان، لكنه طالب
بالحصول على تعهدات مماثلة من المعارضة، ويبدو أن نقاشات عنان الهادئة
والتركيز على المفاوضات بعيداً عن التصريحات لمعرفته بحساسية الأمور
وصعوبتها، لعبت دوراً مهماً في تحديد موعد واضح، رغم أن أطرافاً من
المعارضة تعتبر أنها عملية شراء للوقت من قبل النظام لفرض حله الأمني،
خصوصاً أن الفاصل بين اجتماع الرئيس بشار الأسد مع المبعوث الأممي- العربي
والبدء في تنفيذ المبادرة سوف يأخذ شهراً بالتمام .
أصدقاء سورية والرسائل المتناقضة
وقبل يوم من خطاب عنان إلى مجلس الأمن تباينت الآراء حول النتائج التي
تمخض عنها مؤتمر "أصدقاء الشعب السوري" في اسطنبول، وكان اللافت للنظر أن
ممثلي 83 دولة ومنظمة شاركوا في المؤتمر قرروا دعم مبادرة عنان وطالبوه
بتحديد جدول زمني للتنفيذ، مما يكشف صعوبة الخروج بقرار موحد غير التوافقات
الدولية السابقة.
واعترف مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في اسطنبول
بالمجلس الوطني السوري ممثلاً شرعياً للشعب السوري، وأكد دعمه لمبادرة
المبعوث الأممي العربي كوفي عنان وطالب بتحديد سقف زمني لها، لكن المؤتمر
تجنب الحديث عن دعم عسكري للجيش الحر، وشدد على احترام سيادة الأراضي
السورية، وركز البيان الختامي على تقديم الدعم المادي واللوجيستي للمعارضة،
وحل المشاكل الانسانية الصعبة التي تعاني منها سورية.
وتبعث قرارات
المؤتمر برسائل متناقضة تفتح المجال لطرح تأويلات وتفسيرات مختلفة، مما
يظهر حجم التناقض الكبير بين الحضور، وتشير القرارات إلى تخبط "أصدقاء
سورية"، وعجزهم عن بلورة رؤية واضحة للحل، وهو ما بدا واضحاً في كلمات
وتصريحات الحضور أثناء المؤتمر وبعده عند التطرق إلى موضوع تسليح الجيش
الحر، وإقامة مناطق عازلة.
حلقة مفرغة ودعم مشروط لعنان...
ويظهر
الإرتباك الدولي في التعامل مع الملف السوري، في رمي الكرة مرة أخرى إلى
نصف ملعب عنان مع مطالبته بتحديد جدول زمني، والتلويح باللجوء إلى مجلس
الأمن الدولي مجددا في حال عدم تجاوب السلطات السورية مع المبادرة بسرعة.
ورغم الضغوط الهائلة التي مورست على المعارضة من أجل توحيد صفوفها وصياغة
برنامج لتصوراتها في مرحلة ما بعد الأسد، اختلف المؤتمرون على طريقة إنهاء
حكم الرئيس الأسد، واكتفى البيان الختامي للمؤتمر بالاعتراف بالمجلس الوطني
ممثلاً للشعب السوري دون إضافة كلمة "الوحيد" في اشارة إلى وجود قوى
معارضة أخرى من جانب، دون أن يسقط من حساباته احتمال أن يبقى النظام صامداً
فطالبه بتنفيذ خطة عنان التي لا تنص صراحة على رحيل الأسد بل قيادة عملية
حوار بين الأطراف بعد وقف اطلاق النار، وسحب المدرعات والآليات من المدن،
وإطلاق سراح المعتقلين، وضمان حرية وصول المساعدات، وحرية الصحافة، وحق
التظاهر السلمي.
وتكشف القرارت والتصريحات عجز أو عدم رغبة الأطراف
الفاعلة في التدخل مباشرة في الصراع، سواء عن طريق دعم الجيش الحر بالسلاح،
أو التدخل العسكري تحت أي مسميات كانت، فعلى سبيل المثال أعلنت وزيرة
الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن بلادها سوف تزود المعارضة بأجهزة
اتصال، وتدرب المواطنين السوريين على توثيق الانتهاكات والخروقات، وتساهم
في الدعم الاغاثي والإنساني، فيما تطالب بلدان عربية بتسليح ودعم الجيش
الحر.
ورغم أن المسؤولين الأمريكيين وغيرهم نفوا أي تراجع أو فتور في
الموضوع السوري، فإن الواضح من التصريحات والبيانات المعلنة أن الولايات
المتحدة تدفع بكوفي عنان إلى الواجهة لتغطي على تراجع موقفها وعدم تحمسها
لاتخاذ اجراءات جديدة بحق النظام.
ضبابية الموقف وتقييمات متضاربة...
تباينت
ردود الأفعال حول النتائج التي خلص بها مؤتمر اسطنبول، وفيما أعلنت
المعارضة الداخلية والنظام رفضها هذه النتائج، وتمسكها بمبادرة عنان للحل،
كشفت أطراف في المعارضة الخارجية عن خيبة أملها من النتائج الهزيلة
والتراجع عن المواقف السابقة، وانتقدت التعامل البطيء الذي لا يرقى مع
التحديات ولا يوقف المجزرة التي يتعرض لها الشعب السوري في شكل يومي، فيما
اعتبر فريق آخر أن مؤتمر اسطنبول وجه رسالة قاسية لنظام بشار الأسد، بأن
اجراءات التسويف ولعبة كسب الوقت لن تجدي نفعاً، لأن أسلوب النظام بات
مكشوفاً للجميع، وأن الحكم هو في التنفيذ الفوري للمبادرة وليس التأجيل
والتفاوض، وإلا فإن اجراءات جديدة سوف تتخذ بحق النظام قبل مؤتمر باريس
المقبل لأصدقاء سورية. وشككت المعارضة عموماً في نوايا النظام، وقدرته على
تنفيذ مبادرة عنان، واستشهدت بالتصريحات الأخيرة للناطق باسم الخارجية
السورية جهاد مقدسي وملاحظاته على بنود المبادرة الستة، وأكد قسم من
المعارضة أن تنفيذ المبادرة يعني خروج الملايين إلى الشوارع وانهيار النظام
الذي فشل في فرض حله الأمني رغم مرور أكثر من سنة على بدء الثورة.
الظل الروسي
قاطعت
روسيا مؤتمر أصدقاء سورية في اسطنبول كما فعلت سابقاً في مؤتمر تونس،
وأكدت وزارة الخارجية في 2 أبريل/ نيسان على لسان الوزير لافروف أن روسيا
سوف تكون صديقة للشعب السوري وليس لجزء منه كما يفعل الغرب، وقال إنه يجب
على النظام القيام بالخطوة الأولى ويبدأ سحب القوات وربط ذلك بأن يترافق مع
خطوات من جانب المعارضة، وشدد لافروف على أن مهمة عنان تناقش في مجلس
الأمن لا في مؤتمر اسطنبول، في إشارة لرفض ما تضمنه بيان أصدقاء سورية
بتحديد جدول زمني لمهمة عنان.
ورغم تغيب روسيا إلا أن أطرافاً ألقت
عليها باللوم واتهمتها بدعم النظام باستخدام حق الفيتو مرتين في مجلس الأمن
الدولي لمنع قرار يدين دمشق، واعتبرت أن ذلك شجع النظام على التمادي
وممارسة مزيد من القتل، لكن البيان الختامي لمؤتمر أصدقاء سورية يقترب
كثيراً من المبادئ الاطارية التي اتفق عليها وزراء الخارجية العرب مع
لافروف بداية الشهر الماضي، كما اعتبر البيان أن مبادرة عنان هي الفرصة
الأخيرة لتسوية سلمية، وهو ما صرحت به روسيا منذ بدء مهمة عنان على لسان
رئيسها دميتري ميدفيديف الذي أعلن دعمه الواضح لمهمة المبعوث الأممي،
واستعداد موسكو لتقديم كل أنواع الدعم.
ويكشف عدم تبني مواقف واضحة
في المؤتمر عن ضعف الحجة في أن روسيا تعطل أي جهود دولية للحل، ويبين أن
الحل الأمثل هو دعم مبادرة عنان التي توافق الجميع عليها، كما يؤكد أن
روسيا مكون أساسي في التوصل إلى حل عقلاني للأزمة.
هل يوصل عنان سورية إلى بر الأمان
عرض
عنان على مجلس الأمن الدولي في جلسة مغلقة مساء 2 أبريل/ نيسان النتائج
التي توصل إليها مع الأطراف السورية والدولية المعنية، ومخططاته لتنفيذ
المبادرة. ورغم تأكيد جميع الأطراف على أن عنان مازال محط ثقة وإجماع إلا
أن مهمته تتعرض لمزيد من الضغوط والعقبات، وربما عطلت بعض التفاصيل التي
عادة ما يخرج منها الشيطان بالمبادرة، وأعادت الأمور إلى المربع الأول،
وحينها يصعب الاستمرار في المهمة أو تبني مبادرة جديدة في ظل تضارب
المواقف، وتشابك المصالح الدولية في سورية، ومن المؤكد أن إعلان أطراف
الأزمة في سورية لا يعتبر ضامناً للتنفيذ لكن القناعة تتعزز عند أطراف
كثيرة بأن الأزمة السورية أمام منعطف حاسم ، وأن فرصة عنان تكاد تكون
الأخيرة لتسوية تحفظ سورية من حالة فوضى وحرب أهلية في ظروف عدم وجود إجماع
داخلي أو خارجي على أي حلول أخرى، ولهذا فيجب على الحريصين على الوصول
بسورية إلى بر الأمان ممارسة مزيد من الضغوط لاعطاء الفرصة كاملة لتنفيذ
مبادرة عنان.
سامر الياس
( المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)