إلتقى برنامج "حديث اليوم" المحلل السياسي أندريه فورسوف وبحث معه التطورات الاخيرة حول ايران. وجرى معه الحوار التالي:
س - تزايد الحديث مؤخرا عن إحتمال توجيه ضربة إسرائيلية إلى إيران بهدف تدمير المنشآت النووية هناك .. في إعتقادكم هل إسرائيل قادرة على القيام بذلك .. وما النتائج المترتبة على ذلك؟
ج - بداية يجب النظر الى واقعية هذا الامر ، واعتقد ان الضرية الاسرائيلية للمنشات النووية الايرانية غير واردة الان على الاقل حتى الانتخابات الرئاسية الامريكية ، لان موقف الرئيس اوباما واضح في هذا الشان..وكان قد حذر سابقا من انه لن يسمح للطائرات الاسرائيلية باستخدام الاجواء العراقية لتوجيه ضربة الى المنشات النووية الايرانية ، ولكن بعد الانتخابات هذا الامر يبدو واقعيا في حال تم التاكد من ان ايران لا تمتلك قنبلة نووية. لانه وحتى الان ليس من المؤكد ان كانت ايران قد تمكنت من امتلاك قنبلة نووية ، عموما انا لا استبعد الضربة الاسرائيلية للمنشات الايرانية ولكن عند ذلك يجب ان نتوقع حربا اقليمية في المنطقة ستشمل عدة اطراف معنية في المنطقة ، ومن الصعب التكهن بالسيناريوهات المتوقعة في حال نشوب تلك الحرب ، فعلى سبيل المثال ان الصين حذرت الولايات المتحدة من انها لن تقف مكتوفة الايدي حيال ذلك السيناريو ، ولكن هل هذا الامر يعتبر واقعيا .وما يمكن ان تقوم به الصين حيال ذلك ، مما يعني اننا نشارك في لعبة متعددة الاطراف ، وكما نلاحظ ان العديد من الدول تحذر بعضها البعض لكن احدا لا يريد الحرب وقد يترك الامر للصدفة او حدوث ما يمكن ان يكون الشرارة الاولى لهذه الحرب .
س - البعض يتوقع ان تكون ضربة ايران من الولايات المتحدة الامريكية وليس من اسرائيل ما مدى امكانية هذه التوقعات ؟
ج - علينا ان ننتظر تطور الاحداث بعد الانتخابات الرئاسية الامريكية واذا ما كان الرئيس اوباما سيفوز مجددا وهذا ما اعتقده ولكن بأية نتيجة ونسبة سيفوز لان ذلك يحدد العلاقة بين الجمهوريين والديمقراطيين ، فالجمهوريون ارادوا تلك الضربة وهم يراهنون على فشلها وبالتالي ذلك يعني فشل اوباما . ولكن اوباما يدرك ذلك جيدا ، عموما ان الملف الايراني معقد للغاية. وعندما نقول ان الامريكيين بصدد توجيه ضربة لايران فان ذلك ليس امرا سهلا نظرا للتناقض في الاستراتيجيات السياسية الداخلية في امريكا ، واود ان اشير هنا الى وصف الخبير السياسي الفرنسي الكسندر دولفال في هذا المجال اذ انه كان يستخدم مصطلح السياسات الخارجية الامريكية اي بصفة الجمع ما يعني التناقض والتباين في السياسة الخارجية الامريكية حتى ضمن الادارة الواحدة وهذا ما لاحظناه مع ديك تشيني ولاحقا مع كونداليزا رايس ، وهذا ما يؤكد التباين وتبدل المواقف والمفاجآت في السياسة الامريكية نظرا لوجود اراء متباينة تجاه اسرائيل وتجاه ايران داخل الولايات المتحدة . واعتقد ان الجميع يذكر فضيحة ايران غيت ابان ولاية الرئيس رونالد ريغان فانه على الرغم من ان الادارة التي كانت تعمل على تحرير الرهائن حينها كانت تمد خيوط الاتصالات مع السلطات الايرانية وانطلاقا من ذلك يصعب التكهن بالسياسة الخارجية الامريكية.
س - كما هو معلوم ان ايران تدعم النظام السوري في حين تدعم بعض الدول العربية والغرب المعارضة السورية... هل باتت سورية باعتقادكم ساحة لتصفية الحسابات ؟
ج - فعلا يمكن القول ان سورية باتت ساحة لتصفية الحسابات ولكن ليس فقط بين ايران والسعودية وقطر على سبيل المثال، فعلى الرغم من ان سورية بلد صغير في منطقة الشرق الاوسط لكنها تلعب دورا مهما لان استراتيجة الفوضى البناءة التي انتهجتها الولايات المتحدة في ما يسمى بالربيع العربي ادت الى انقسام واضح في المنطقة وعلى سبيل المثال الحركات الاسلامية فاننا نجدها في ليبيا وسورية نشطة وفي اماكن اخرى لا تزال تعمل سرا ، وفي هذا المجال سورية تزعج الولايات المتحدة لان النظام السوري هو نظام مدني والفرق بين سورية وليبيا ان سورية مسلحة بمستوى عال ، اضافة الى الموقف الروسي والصيني . ففي حين انهما لا تعارضان بشكل كبير العمل العسكري في ليبيا ، نرى انهما في سورية تتبعان موقفا حازما وواضحا لان سوريةا الى حد ما قريبة من الحدود الروسية اما بالنسبة للصين وعلى الرغم من البعد الجغرافي الا ان التاثير الصيني بات موجودا في باكستان وافغانستان ايضا اضافة الى جنوب العراق حيث الغالبية الشيعية المؤيدة لايران .ومن هنا عبر ايران تصل المصالح الصينية ...وهنا بالتحديد يلتقى التحرك الغربي باتجاه الشرق والتحرك الصيني باتجاه الغرب .وهذا ما يجعل سورية نقطة للمواجهة الصينية- الامريكية اضافة الى التجاذب العربي الايراني داخل سورية ما يعني ان سورية اصبحت ككرة الثلج وكل الاطراف تدرك تماما خطورة التصعيد في هذا البلد لان ذلك سيؤثر سلبا على المنطقة عموما .
س - بما انكم تطرقتكم الى الربيع العربي اود ان اسأل ...هناك من يرى ان العوامل الخارجية تلعب الدور الاساسي في الربيع العربي فيما يرى آخرون ان تلك الانظمة فشلت في تلبية تطلعات شعوبها ، كيف قرأتم الربيع العربي ؟
ج - ما اود قوله انه في العالم الحديث العوامل الخارجية متصلة بشكل وثيق مع العوامل الداخلية ، فلننظر على سبيل المثال الى النظامين التونسي والمصري فعلى الرغم من وجود انظمة اضعف ومشاكل اجتماعية اكبر ولكن هناك كما نرى لا يحدث شيئا لذلك لا بد من التساؤل لماذا في تونس ومن ثم مصر ، وهناك من يقول ما هي مصلحة الامريكيين في ذلك فمبارك كان حليفا لهم وهنا لا بد من الاشارة الى ان مبارك كان يعول على الجمهوريين في امريكا وعلى الاحزاب اليمينية في إسرائيل ولكن تخلى عن مبارك هي ادارة الرئيس اوباما ، اضافة الى ذلك فان مبارك وبن على هم من جيل الثورات الليبرالية الجديدة التي جرت قبل ثلاثين عاما وهذه الحقبة انتهت ومن الضروري ايجاد انظمة جديدة وهنا اشير الى انتقاد كيسنجر لاوباما حينما قال انه كان ينبغي ايجاد قيادات عربية جديدة ومن ثم الاطاحة بالانظمة وما شهدناه في الربيع العربي هو ليس كما جرت العادة اي قائد يواجه قائد السلطة لا بل من دون قيادة واضحة وهنا يمكن ان تلعب الحركات الاسلامية دورا مهما في تطبيق استراتيجية الفوضى الموجهة ، وانا اعتقد ان العوامل الخارجية في الربيع العربي لعبت الدور الاساسي ، وكما يعرف الجميع ان الربيع العربي بدأ من تونس وان ذلك بدأ باحراق البوعزيزي نفسه. ولكن قبل ذلك بكثير كانت هناك مواجهات ساخنة واضطرابات في ميناء تونس وهنا أسال من المسئول عن تنظيم ميناء تونس انها عائلة بونانو وهي واحدة من العائلات الخمس العملاقة في نيويورك وهي عائلة تعمل بتجارة المخدرات لكن احدا لا يتحدث عن ذلك وخصوصا الاعلام الغربي الذي يصور الربيع العربي وكانه صحوة شعبية ضد الانظمة ولكن هناك مصالح كثيرة متشعبة ومتداخلة .
س - حسنا الاسلاميون في تونس ومصر نجحوا في الانتخابات ما هي مصلحة اميركا في ذلك ؟
ج- اذا انطلقنا من ان الولايات المتحدة معنية بإستراتجية الفوضى الموجهة ، فالاسلاميون هم الخيار المفضل لتنفيذ هذا الاستراتيجية التي وصلت مؤخرا الى موريتانيا لذلك فان ما نراه في عملية تنفيذ هذه الاستراتجية يشبه الحلقة المترابطة الى ان وصل فتيلها الى سورية ، لكن سورية باتت تشكل الحجر الذي اوقف الطاحون المتدحرج.
س - اود ان اتطرق للملف الليبي ، ليبيا تشهد اضطرابات ،البعض بات يصفها بالحرب الاهلية ، ما هي مصالح الدول الغربية من الحرب الاهلية في ليبيا؟
ج - بالطبع هناك مصالح كثيرة من ذلك لان ليبيا دمرت لعدة اسباب منها عامل الحركات الاسلامية ولكن الاهم هو ان اسعار النفط الليبي تعادل الدولار الواحد. اما النفط السعودي فيعادل السبعة دولارات .. في ثمانينيات القرن الماضي كانت امريكا بالتعاون مع السعودية تخفض سعر النفط للتاثير سلبا على الاتحاد السوفيتي في حينها ، والان الامريكيون ينفذون خطة الفوضى الموجهة في الشرق الاوسط لكنهم لا يستطيعون الاستغناء عن السعودية التي تنظم اسعار النفط ، ومن هنا تبرز اهمية النفط الليبي فبعد ان بات الامريكيون وحلفاؤهم يتحكمون بالنفط الليبي فانهم غير مرتبطين بالنفط السعودي ، وكما نعرف ان اثني عشر الف عامل وخبير امريكي قد وصلوا الى بن غازي وباتوا يتحكمون بالنفط الليبي ، وهنا تكمن الاستراتيجية الامريكية من خلال الفوضى الموجهة لانها تسهل عملية التحكم بالدول العربية.
س - منذ البداية روسيا تتعاطى بحذر مع ما يعرف بالربيع العربي ،على ماذا يستند هذا الموقف الروسي الحذر؟
ج - هذا منطقي للغاية فالقيادة الروسية تدرك ان تداعيات هذه الفوضى ستصل الى آسيا الوسطى مما سيؤدي الى حدوث خلل في توازن آسيا الوسطى وهذا ما سيشكل مشكلة للجنوب الروسي وتحديدا منطقة القوقاز وهذا الموقف منطقي من وجهة النظر الجيوسياسية . فإيران وسورية هما الاقرب جغرافيا لروسيا من الولايات المتحدة الامريكية واذا كان ذلك يقلق امريكا فانه من الطبيعي يقلق روسيا اكثر.